الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَمَا نَزَلَ مُفْرَدًا: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَتَبِعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ ; مِنَ الْقُرْآنِ مَا نَزَلَ مُشَيَّعًا، وَهُوَ سُورَةُ الْأَنْعَامِ، شَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ، نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَمَانُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَلَاثُونَ أَلْفَ مَلَكٍ. وَسُورَةُ يس نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَلَاثُونَ أَلْفَ مَلَكٍ. {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزُّخْرُف: 45] نَزَلَتْ وَمَعَهَا عِشْرُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَسَائِرُ الْقُرْآنِ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ مُفْرَدًا بِلَا تَشْيِيعٍ.قُلْتُ: أَمَّا سُورَةُ الْأَنْعَامِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهَا بِطُرُقِهِ. وَمِنْ طُرُقِهِ- أَيْضًا- مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ وَمَعَهَا مَوْكِبٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَسُدُّ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ وَالْأَرْضُ تَرْتَجُّ».وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ سَبَّحَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: شَيَّعَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا سَدَّ الْأُفُقَ». قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ قَالَ الذَّهَبِيُّ: فِيهِ انْقِطَاعٌ، وَأَظُنُّهُ مَوْضُوعًا.وَأَمَّا الْفَاتِحَةُ وَسُورَةُ يس وَ{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا}: فَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ فِيهَا بِذَلِكَ وَلَا أَثَرٍ.وَأَمَّا آيَةُ الْكُرْسِيّ: فَقَدْ وَرَدَ فِيهَا وَفِي جَمِيعِ آيَاتِ الْبَقَرَةِ حَدِيثٌ، أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَقَرَةُ سَنَامُ الْقُرْآنِ وَذُرْوَتُهُ، نَزَلَ مَعَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا، ثَمَانُونَ مَلَكًا وَاسْتُخْرِجَتْ {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَوُصِلَتْ بِهَا».وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: خَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ جَاءَ بِهَا جِبْرِيلُ، وَمَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ.وَبَقِيَ سُوَرٌ أُخْرَى، مِنْهَا: سُورَةُ الْكَهْفِ، قَالَ ابْنُ الضُّرَيْسِ فِي فَضَائِلِه: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِسُورَةٍ مَلْءُ عَظَمَتِهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، شَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ؟ سُورَةُ الْكَهْفِ».تَنْبِيهٌ: لِيَنْظُرَ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا مَضَى وَبَيْنَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَا جَاءَ جِبْرِيلُ بِالْقُرْآنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَمَعَهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَفَظَةٌ.وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُعِثَ إِلَيْهِ الْمَلَكُ، بُعِثَ مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ أَنْ يَتَشَبَّهَ الشَّيْطَانُ عَلَى صُورَةِ الْمَلَكِ.فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ الضُّرَيْس: أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ:- يَعْنِي ابْنَ جَمِيلٍ- عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أَرْبَعُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مِنْ كَنْزِ الْعَرْشِ، لَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُنَّ: أُمُّ الْكِتَابِ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ وَخَاتِمَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالْكَوْثَرِ.قُلْتُ: أَمَّا الْفَاتِحَةُ: فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «إِنَّ الِلَّهَ أَعْطَانِي فِيمَا مَنَّ بِهِ عَلَيَّ: إِنِّي أَعْطَيْتُكَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَهِيَ مِنْ كُنُوزِ عَرْشِي».وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا: «أُعْطِيتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ».وَأَخْرَجَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، «عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا نَبِيُّ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ».وَأَمَّا آخِرُ الْبَقَرَة: فَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ فِي مَسْنَدِهِ، عَنْ أَيْفَعَ الْكُلَاعِيِّ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الِلَّهِ أَيُّ آيَةٍ تُحِبُّ أَنْ تُصِيبَكَ وَأُمَّتُكَ؟ قَالَ: آخِرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّهَا مِنْ كَنْزِ الرَّحْمَةِ مِنْ تَحْتِ عَرْشِ الِلَّهِ».وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: اقْرَءُوا هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فَإِنَّ رَبِّي أَعْطَانِيهِمَا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ.وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «أُعْطِيتُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي».وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي».وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: «أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي».وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ.وَأَمَّا آيَةُ الْكُرْسِيّ: فَتَقَدَّمَتْ فِي حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ السَّابِقِ.وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ضَحِكَ، وَقَالَ: إِنَّهَا مَنْ كَنْزِ الرَّحْمَنِ تَحْتَ الْعَرْشِ».وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: آيَةُ الْكُرْسِيِّ أُعْطِيَهَا نَبِيُّكُمْ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَلَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلَ نَبِيِّكُمْ.وَأَمَّا سُورَةُ الْكَوْثَر: فَلَمْ أَقِفْ فِيهَا عَلَى حَدِيثٍ، وَقَوْلُ أَبِي أُمَامَةَ فِي ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَرْفُوعِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ ابْنِ حَيَّانَ وَالدَّيْلَمِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، بِإِسْنَادِهِ السَّابِقِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا..النَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا أُنْزِلَ مِنْهُ عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا لَمْ يُنَزَّلْ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنَ الثَّانِي الْفَاتِحَةُ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ وَخَاتِمَةُ الْبَقَرَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ قَرِيبًا.وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكٌ فَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ قَدْ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ».وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «تَرَدَّدُوا فِي الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ {آمَنَ الرَّسُولُ} [285] إِلَى خَاتِمَتِهَا؛ فَإِنَّ الِلَّهَ اصْطَفَى بِهَا مُحَمَّدًا».وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ أَرْبَعَ آيَاتٍ لَمْ يُعْطَهُنَّ مُوسَى، وَإِنَّ مُوسَى أُعْطِيَ آيَةً لَمْ يُعْطَهَا مُحَمَّدٌ. قَالَ: وَالْآيَاتُ الَّتِي أُعْطِيهِنَّ مُحَمَّدٌ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الْبَقَرَة: 284]. حَتَّى خَتَمَ الْبَقَرَةَ، فَتِلْكَ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ. وَالْآيَةُ الَّتِي أُعْطِيهَا مُوسَى: (اللَّهُمَّ لَا تُولِجِ الشَّيْطَانَ فِي قُلُوبِنَا وَخَلِّصْنَا مِنْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ لَكَ الْمَلَكُوتَ وَالْأَيْدِ وَالسُّلْطَانَ وَالْمُلْكَ وَالْحَمْدَ وَالْأَرْضَ وَالسَّمَاءَ وَالدَّهْرَ الدَّاهِرَ أَبَدًا أَبَدًا آمِينَ آمِينَ).وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: السَّبْعُ الطُّوَالُ لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُعْطِيَ مُوسَى مِنْهَا اثْنَتَيْنِ.وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «أَعْطَيْتُ أُمَّتِي شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ عِنْدَ الْمُصِيبَة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}» [الْبَقَرَة: 156].وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْأَوَّل: مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّهَا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} فَبَلَغَ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قَالَ: وَفَّى {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} إِلَى قَوْلِهِ {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [النَّجْم: 1- 56]».وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الِلَّهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذِهِ السُّورَةُ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى.وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظِ نُسِخَ مِنْ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. وَأَخْرَجَ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى مِثْلَ مَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: نَبَّأَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ {إِنَّ هَذَا لَفِيَ الصُّحُفِ الْأُولَى} [الْأَعْلَى: 18]. قَالَ: هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ.وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ، مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ مِمَّا أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} إِلَى قَوْلِه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التَّوْبَة: 112] وَ{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إِلَى قَوْلِه: {فِيهَا خَالِدُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 1- 11]. {وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلَمَّاتِ} الْآيَةَ. [الْأَحْزَاب: 35]، وَالَّتِي فِي {سَأَلَ} : {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} إِلَى قَوْلِه: {قَائِمُونَ} [الْمَعَارِج: 23- 33] فَلَمْ يَفِ بِهَذِهِ السِّهَامِ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الِلَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: إِنَّهُ- يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْصُوفُ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الْأَحْزَاب: 45] وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ.. الْحَدِيثَ.وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَغَيْرِهِ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: فُتِحَتِ التَّوْرَاةُ بـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الْأَنْعَام: 1] وَخُتِمَتْ بـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمَّ يَتَّخِذْ وَلَدًا} إِلَى قَوْلِه: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الْإِسْرَاء: 111].وَأَخْرَجَ- أَيْضًا- عَنْهُ، قَالَ: فَاتِحَةُ التَّوْرَاةِ فَاتِحَةُ الْأَنْعَام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}، وَخَاتِمَةُ التَّوْرَاةِ خَاتِمَةُ هُودٍ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هُودٍ: 123].وَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ، قَالَ: أَوَّلُ مَا أُنْزِلُ فِي التَّوْرَاةِ عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَام: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الْأَنْعَام: 151] إِلَى آخِرِهَا.وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ، قَالَ: أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَام: بِسْمِ الِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} الْآيَاتِ.قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْآيَاتِ الْعَشْرِ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ لِمُوسَى فِي التَّوْرَاةِ أَوَّلَ مَا كَتَبَ، وَهِيَ: تَوْحِيدُ الِلَّهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشِّرْكِ، وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ، وَالْعُقُوقُ، وَالْقَتْلُ، وَالزِّنَى، وَالسَّرِقَةُ، وَالزُّورُ، وَمَدُّ الْعَيْنِ إِلَى مَا فِي يَدِ الْغَيْرِ، وَالْأَمْرُ بِتَعْظِيمِ السَّبْتِ.وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأُعَلِّمَنَّكَ آيَةً لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍّ بَعْدَ سُلَيْمَانَ غَيْرِي: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}».وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ، عَنِ ابْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكْتُوبَةٌ فِي التَّوْرَاةِ بِسَبْعِمِائَةِ آيَةٍ: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الَقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أَوَّلُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ.فَائِدَةٌ: يَدْخُلُ فِي هَذَا النَّوْعِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: الْبُرْهَانُ الَّذِي أُرِيَ يُوسُفَ: ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ الِلَّهِ {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لِحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الَانْفِطَار: 10- 12] وَقوله: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ} الْآيَةَ [يُونُسَ: 61] وَقَوْلُهُ {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرَّعْد: 33] زَادَ غَيْرُهُ آيَةً أُخْرَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الْإِسْرَاء: 32].وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يُوسُفَ: 24]. قَالَ: رَأَى آيَةً مِنْ كِتَابِ الِلَّهِ نَهَتْهُ، مَثُلَتْ لَهُ فِي جِدَارِ الْحَائِطِ..النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ: فِي كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ: فِيهِ مَسَائِلُ:.الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ: قَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أَنْزِلُ فِيهِ الْقُرْآنُ} [الْبَقَرَة: 185]. وَقَالَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ} [الَقَدْر: 1].اخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:أَحَدُهَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ: أَنَّهُ نَزَلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا فِي عِشْرِينَ سَنَةً، أَوْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، عَلَى حَسْبِ الْخِلَافِ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ.أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَكَانَ اللَّهُ يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ».وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ الَقَدْرِ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ قَرَأَ {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الْفُرْقَان: 33]. {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الْإِسْرَاء: 106]».وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي آخِرِه: فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا أَحْدَثُوا شَيْئًا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ جَوَابًا.وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَسَّانِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فُصِلَ الْقُرْآنُ مِنَ الذِّكْرِ، فَوُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَجَعَلَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَسَانِيدُهَا كُلُّهَا صَحِيحَةٌ.وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ قَالَ: أُنْزِلُ الْقُرْآنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً حَتَّى وُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَنَزَّلَهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوَابِ كَلَامِ الْعِبَادِ وَأَعْمَالِهِمْ.وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ: دُفِعَ إِلَى جِبْرِيلَ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ، ثُمَّ جَعَلَ يُنَزِّلُهُ تَنْزِيلًا.وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطِيَّةَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَقَالَ: أَوْقَعَ فِي قَلْبِي الشَّكُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنَزِلَ فِيهِ الْقُرْآنِ} [الْبَقَرَة: 185] وَقَوْلُهُ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ} وَهَذَا نَزَلَ فِي شَوَّالَ وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَفِي الْمُحَرَّمِ وَصَفَرَ وَشَهْرِ رَبِيعٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أُنْزِلَ فِي رَمَضَانَ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَوَاقِعِ النُّجُومِ رَسْلًا فِي الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ.قَالَ أَبُو شَامَةَ: قَوْلُهُ (رَسْلًا): أَيْ: رِفْقًا، (وَعَلَى مَوَاقِعِ النُّجُومِ) أَيْ: عَلَى مِثْلِ (مَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَمَوَاقِعُهَا): مَسَاقِطُهَا، يُرِيدُ أُنْزِلَ فِي رَمَضَانَ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَا وَقَعَ مُفَرَّقًا يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا، عَلَى تُؤَدَةٍ وَرِفْقٍ.الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ نَزَلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي عِشْرِينَ لَيْلَةِ قَدْرٍ، أَوَثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مَا يُقَدِّرُ الِلَّهُ إِنْزَالَهُ فِي كُلِّ السَّنَةِ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ.وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ بَحْثًا، فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى إِنْزَالِهِ إِلَى مِثْلِهَا، مِنَ اللَّوْحِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. ثُمَّ تَوَقَّفَ، هَلْ هَذَا أَوْلَى أَوِ الْأَوَّلُ!.قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا الَّذِي جَعَلَهُ احْتِمَالًا نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَحَكَى الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا.قُلْتُ: وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِ مُقَاتِلٍ: الْحَلِيمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ: آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الدَّيْنِ.الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ ابْتُدِئَ إِنْزَالُهُ فِي لَيْلَةِ الَقَدْرِ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ.قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيّ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ، قَالَ: وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلًا رَابِعًا: أَنَّهُ نَزَلَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّ الْحَفَظَةَ نَجَّمَتْهُ عَلَى جِبْرِيلَ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَأَنَّ جِبْرِيلَ نَجَّمَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً. وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ.وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ فِي رَمَضَانَ بِمَا يَنْزِلُ بِهِ فِي طُولِ السَّنَةِ.وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْن: الْأَوَّلِ وَالثَّانِي.قُلْتُ: هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ عِنْدِ الِلَّهِ، مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَةُ عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ سَنَةً.
|